الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (19): {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}{وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحكا مّن قَوْلِهَا} تفريع على ما تقدم فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعل الفاء فصيحة كما قيل. ولعله عليه السلام إنما تبسم من ذلك سرورًا بما الهمت من حسن حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة وابتهاجًا بما خصه الله تعالى به من إدراك ما هو همس بالنسبة إلى البشر وفهم مرادها منه.وجوز أن يكون ذلك تعجبًا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها: والأول أظهر مناسبة لما بعد من الدعاء. وانتصب {ضاحكا} على الحال أي شارعًا في الضحك أعني قد تجاوز حد التبسم إلى الضحك أو مقدر الضحك بناء على أنه حال مقدرة كما نقله الطيبي عن بعضهم. وقال أبو البقاء هو حال مؤكدة وهو يقتضي كون التبسم والضحك عنى والمعروف الفرق بينهما قال ابن حجر. التبسم مبادئ الضحك من غير صوت والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور مع صوت خفي فإن كان فيه صوت يسمع من بعيد فهو القهقهة، وكان من ذهب إلى اتحاد التبسم والضحك خص ذلك بما كان من الأنبياء عليهم السلام فإن ضحكهم تبسم، وقد قال البوصيري في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم:وروي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا أي مقبلًا على الضحك بكليته إنما كان يتبسم، والذي يدل عليه مجموع الأحاديث ان تبسمه عليه الصلاة والسلام أكثر من ضحكه ورا ضحك حتى بدت نواجذه. وكونه ضحك كذلك مذكور في حديث آخر أهل النار خروجًا منها وأهل الجنة دخولًا الجنة. وقد أخرجه البخاري. ومسلم. والترمذي. وكذا في حديث أخرجه البخاري في المواقع أهله في رمضان، وليس في حديث عائشة السابق أكثر من نفيها رؤيتها إياه صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا وهو لا ينافي وقوع الضحك منه في بعض الأوقات حيث لم تره.وأول الزمخشري ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه بأن الغرض منه المبالغة في وصف ما وجد منه عليه الصلاة والسلام من الضحك النبوي وليس هناك ظهور النواجذ وهي أواخر الأضراس حقيقة، ولعله إنما لم يقل سبحانه: فتبسم من قولها بل جاء جل وعلا بضاحكًا نصبًا على الحال ليكون المقصود بالإفادة التجاوز إلى الضحك بناء على أن المقصود من الكلام الذي فيه قيد إفادة القيد نفيًا أو إثباتًا، وفيه إشعار بقوة تأثير قولها فيه عليه السلام حيث اداه ما عراه منه إلى أن تجاوز حد التبسم آخذًا في الضحك ولم يكن حاله التبسم فقط.وكأنه لما لم يكن قول فضحك من قولها في إفادة ما ذكرنا مثل ما في النظم الجليل لم يؤت به، وفي البحر أنه لما كان التبسم يكون للاستهزاء وللغضب كما يقولون: تبسم تبسم الغضبان وتبسم تبسم المستهزئ وكان الضحك إنما يكون للسرور والفرح أتى سبحانه بقوله تعالى: {ضاحكا} لبيان أن التبسم لم يكن استهزاء ولا غضبًا انتهى.ولا يخفى أن دعوى أن الضحك لا يكون إلا للسرور والفرح يكذبها قوله تعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29] فإن هذا الضحك كان من مشركي قريش استهزاء بفقرائهم كعمار. وصهيب. وخباب. وغيرهم كما ذكره المفسرون ولم يكن للسرور والفرح. وكذا قوله تعالى: {فاليوم الذين ءامَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ} [المطففين: 34] كما هو الظاهر. وإن هرعت إلى التأويل قلنا والواقع يكذبها فإن أنكرت ضحك منك أولوا الألباب، وفيه أيضًا غير ذلك فتأمل والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب، وقرأ ابن السميقع {ضاحكا} على أنه مصدر في موضع الحال، وجوز أن يكون منصوبًا على أنه مفعول مطلق نحو شكرًا في قولك حمد شكرًا.{وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} أي اجعلني أزع شكر نعمتك أي اكفه وارتبطه لا ينفلت عني وهو مجاز عن ملازمة الشكر والمداومة عليه فكأنه قيل: رب اجعلني مداومًا على شكر نعمتك، وهمزة أوزع للتعدية، ولا حاجة إلى اعتبار التضمين. وكون التقدير رب يسر لي أن أشكر نعمتك وازعا إياه وعن ابن عباس أن المعنى اجعلني أشكر. وقال ابن زيد: أي حرضني. وقال أبو عبيدة أي أو لعني. وقال الزجاج فيما قيل أي ألهمن. وتأويله في اللغة كفني عن الأشياء التي تباعدني عنك. قال الطيبي فعلى هذا هو كناية تلويحية فإنه طلب أن يكفه عما يؤدي إلى كفران النعمة بأن يلهمه ما به تقيد النعمة من الشكر. وإضافة النعمة للاستغراق أي جميع نعمك. وقرئ {أَوْزِعْنِى} بفتح الياء {التى أَنْعَمْتَ} أي أنعمتها، وأصله أنعمت بها إلا أنه اعتبر الحذف والإيصال لفقد شرط حذف العائد المجرور وهو أن يكون مجرورًا ثل ما جربه الموصول لفظًا ومعنى ومتعلقًا، ومن لا يقول باطراد ذلك لا يعتبر ما ذكر ولا أرى فيه بأسًا {عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ} أدرج ذكر والديه تكثيرًا للنعمة فإن الأنعام عليهما انعام عليه من وجه مستوجب للشكر أو تعميمًا لها فإن النعمة عليه عليه السلام يرجع نفعها إليهما، والفرق بين الوجهين ظاهر، واقتصر على الثاني في الكشاف وهو أوفق بالشكر. وكون الدعاء المذكور بعد وفاة والديه عليهما السلام قطعًا، ورجج الأول بأنه أوفق بقوله تعالى: {اعلموا ءالَ دَاوُودُ شاكرا} [سبأ: 13] بعد قوله سبحانه:{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ مِنَّا فَضْلًا} [سبأ: 10] إلخ، وقوله تعالى: {ولسليمان الريح} [الأنبياء: 81] إلخ فتدبر فإنه دقيق {وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا} عطف على {أَنِ اشكر} فيكون عليه السلام قد طلب جعله مداومًا على العمل الصالح أيضًا. وكأنه عليه السلام أراد بالشكر الشكر باللسان المستلزم للشكر بالجنان وأردفه بما ذكر تتمينًا له لأن عمل الصالح شكر بالأركان، وفي البحر أنه عليه السلام سأل أولًا شيئًا خاصًا وهو شكر النعمة وثانيًا شيئًا عامًا وهو عمل الصالح، وقوله تعالى: {ترضياه} قيل صفة مؤكدة أو مخصصة ان أريد به كمال الرضا، واختير كونه صفة مخصصة. والمراد بالرضا القبول وهو ليس من لوازم العمل الصالح أصلًا لا عقلًا ولا شرعًا {ترضاه وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} أي في جملتهم.والكلام عن الزمخشري كناية عن جعله من أهل الجنة. وقدر بعضهم الجنة مفعولًا ثانيًا لأدخلني، وعلى كونه كناية لا حاجة إلى التقدير، والداعي لأحد الأمرين على ما قيل دفع التكرار مع ما قبل لأنه إذا عمل عملًا صالحًا كان من الصالحين البتة إذ لا معنى للصالح إلاالعامل عملًا صالحًا، وأردف طلب المداومة على عمل الصالح بطلب ادخاله الجنة لعدم استلزام العمل الصالح بنفسه ادخال الجنة، ففي الخبر «لن يدخل أحدكم الجنة عمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته» وكأن في ذكر {بِرَحْمَتِكَ} في هذا الدعاء إشارة إلى ذلك.ولا يأبي ما ذكر قوله تعالى: {تِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] لأن سببية العمل للإيراث برحمة الله تعالى.وقال الخفاجي: لك أن تقول أنه عليه السلام عد نفسه غير صالح تواضعًا أي فلا يحتاج إلى التقدير ولا إلى نظم الكلام في سلك الكناية، ولا يخفى أن هذا لا يدفع السؤال باغناء الدعاء بالمداومة على عمل الصالح عنه.وقيل: المراد أن يجعله سبحانه في عداد الأنبياء عليهم السلام ويثبت اسمه مع أسمائهم ولا يعز له عن منصب النبوة الذي هو منحة الهية لا تنال بالأعمال ولذا ذكر الرحمة في البين، ونقل الطبرسي عن ابن عباس ما يلوح بهذا المعنى.وقيل: المراد أدخلني في عداد الصالحين واجعلني اذكر معهم إذا ذكروا، وحاصله طلب الذكر الجميل الذي لا يستلزمه عمل الصالح إذ قد يتحقق من شخص في نفس الأمر ولا يعده الناس في عداد الصالحين. وفي هذا الدعاء شمة من دعاء إبراهيم عليه السلام {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاخرين} [الشعراء: 84] ومقاصد الأنبياء في مثل ذلك أخروية، وقيل: يحتمل أنه أراد بعمل الصالح القيام بحقوق الله عز وجل وأراد بالصالح في قوله: {فِى عِبَادِكَ الصالحين} القيام بحقوقه تعالى وحقوق عباده فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص وتعيين ما هو الأولى من هذه الأقوال مفوض إلى فكرك والله تعالى الهادي، وكان دعاؤه عليه السلام على ما في بعض الآثار بعد أن دخل النمل مساكنهن، قال في الكشاف: روي أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فمر سليمان عليه السلام الريح فوقفت لئلا يذرعن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة. .تفسير الآية رقم (20): {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)}{وَتَفَقَّدَ الطير} أي أراد معرفة الموجود منها من غيره، وأصل التفقد معرفة الفقد، والظاهر أنه عليه السلام تفقد كل الطير وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والاهتمام بالرعاية لاسيما الضعفاء منها؛ قيل وكان يأتيه من كل صنف واحد فلم ير الهدهد، وقيل: كانت الطير تظله من الشمس وكان الهدهد يستر مكانه الأيمن فمسته الشمس فنظر إلى مكان الهدهد فلم يره، وعن عبد الله بن سلام أن سليمان عليه السلام نزل فازة لا ماء فيها وكان الهدهد يرى الماء في باطن الأرض فيخبر سليمان بذلك فيأمر الجن فتسلخ الأرض عنه في ساعة كما تسلخ الشاة فاحتاجوا إلى الماء فتفقد لذلك الطير فلم ير الهدهد {فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد} وهو طائر معروف منتن يأكل الدم فيما قيل ويكنى بأبي الأخبار. وأبي الربيع. وأبي ثمامة وبغير ذلك مما ذكره الدميري، وتصغيره على القياس هديهد، وزعم بعضهم أنه يقال في تصغيره هداهد بقلب الياء الفاء، وأنشدوا:ونظير ذلك دوابه وشوابه في دويبه وشويبه.والظاهر أن قوله عليه السلام ذلك مبني على أنه ظن حضوره ومنع مانع له من رؤيته أي عدم رؤيتي إياه مع حضوره لأن سبب ألساتر أم لغيره ثم لاح له أنه غائب فاضرب عن ذلك وأخذ يقول: {أَمْ كَانَ مِنَ الغائبين} كأنه يسأل عن صحة ما لاح له، فأم هي المنقطعة كما في قولهم إنها لا بل أم شاء.وقال ابن عطية: مقصد الكلام الهدهد غاب ولكنه أخذ اللازم من مغيبه وهو أن لا يراه فاستفهم على جهة التوقيف عن اللازم وهذا ضرب من الإيجاز، والاستفهام الذي في قوله: {مَالِيَ} ناب مناب الهمزة التي تحتاجها أم انتهى.وظاهره أن أم متصلة والهمزة قائمة مثام همزة الاستفهام فالمعنى عنده أغاب عني الآن فلم أره حال التفقد أم كان من غاب قبل ولم أشعر بغيبته والحق ما تقدم، وقيل في الكلام قلب والأصل ما للهدهد لا أراد، ولا يخفى أنه لا ضرورة إلى ادعاء ذلك، نعم قيل هو أوفق بكون التفقد للعناية، وذكر أن اسم هذا الهدهد يعفور، وكون الهدهد يرى الماء تحت الأرض رواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن أبي حاتم. وسعيد بن منصور عن يوسف بن ماهك أن ابن عباس حين قال ذلك اعترض عليه نافع بن الأزرق كعادته بأنه كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ ويوضع فيه الحبة وتستر بالتراب فيصطاد فقال رضي الله تعالى عنه إن البصر ينفع ما لم يأت القدر فإذا جاء القدر حال دون البصر فقال ابن الأزرق: لا أجادلك بعدها بشيء ولا مانع من أن يقال: يجوز أن يرى الحبة أيضًا إلا أنه لا يعرف أن التقاطها من الفخ يوجب اصطياده، وكثير من الطيور وسائر الحيوانات يصطاد بما يراه بنوع حيلة.ويجوز أيضًا أن يراها ويعرف المكيدة في وضعها إلا أن القدر يغلب عليه فيظن أنه ينجو إذا التقطها بأحد وجوه يتخيلها فيكون نظير من يخوض المهالك لظن النجاة مع مشاهدة هلاك الكثير ممن خاضها قبله وإذا أراد الله تعالى بقوم أمرًا سلب من ذوي العقول عقولهم، نعم أن رأيته الماء تحت الأرض وان جاز على ما تقتضيه أصول الأشاعرة أمر يستبعده العقل جدًا ولا جزم لي بصحة الخبر السابق، وتصحيح الحاكم محكوم عليه عند المحدثين بما تعلم، ومثله ما تقدم عن ابن سلام وكذا غيره من الأخبار التي وقفت عليها في هذا الشأن، وليس في الآية إشارة إلى ذلك بل الظاهر بناء على ما يقتضيه حال سليمان عليه السلام إن التفقد كان منه عليه السلام عناية بأمور ملكه واهتمامًا بضعفاء جنده، وكانه عليه السلام أخرج كلامه كما حكاه النظم الجليل لغلبة ظنه إنه لم يصبه ما أهلكه وليكون ذلك مع التفقد من باب الجمع بين صفتي الجمال والجلال وهو الأكمل في شأن الملوك، ولعل ما وقع من حديث النملة كان كالحالة المذكورة له عليه السلام للتفقد.وعلى ما تقدم عن ابن سلام أن الحالة المذكرة بل الداعية هي النزول في المفازة التي لا ماء فيها، وكون الهدهد قناقنه، ويحكون في ذلك أن سليمان عليه السلام حين تم له بناء بيت المقدس تجهز ليحج بحشره فوافى الحرم وأقام به ما شاء وكان يقرب كل يوم طول مقامه خمسة آلاف بقرة وخمسة آلاف ناقة وعشرين ألف شاة وقال لأشراف من معه أن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا يعطي النصر على من عاداه وينصر بالرعب من مسيرة شهر القريب والبعيد عنده سواء في الحق لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم قالوا: فبأي دين يدين يا نبي الله؟ فقال: بدين الحنيفية فطوبى لمن آمن به وأدركه فقالوا: كم بيننا وبين خروجه؟ قال: مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل عليهم السلام، ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحًا يؤم سهيلًا فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضًا أعجبته خضرتها فنزل ليتغذى ويصلي فلم يجدوا الماء فكان ما كان.وفي بعض الآثار ما يعارض حكاية الحج، فقد روي عن كعب الأحبار أن سليمان عليه السلام سار من اصطخر يريد اليمن فمر على مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: هذه دار هجرة نبي يكون آخر الزمان طوبى لمن اتبعه، ولما وصل إلى مكة رأى حول البيت أصنامًا تعبد فجاوزه فبكى البيت فأوحى الله تعالى إليه ما يبكيك؟ قال يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك ومعه قوم من أوليائك مروا على ولم يهبطوا ولم يصلوا عندي والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله تعالى إليه لاتبك فإني سوف أبكيك وجوهًا سجدًا وأنزل فيك قرآنًا جديدًا وأبعث منك نبيًا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلى واجعل فيك عمارًا من خلقي يعبدونني وأفرض عليهم فريضة يرفون إليك رفيف النسر إلى وكره ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها وأطهرك من الأوثان وعبدة الشيطان، ثم مضى سليمان حتى أتى على وادي النمل، ولا يظهر الجمع بين الخبرين، ولعل المقدار الذي يصح من الأخبار أنه عليه السلام لما تم له بناء بيت المقدس حج وأكثر من تقريب القرابين وبشر بالنبي صلى الله عليه وسلم وقصد اليمن وتفقد الطير فلم ير الهدهد فتوعده بقوله:
|